بيروت - 17/10/2014
نزح إبراهيم صادر ذات يوم من العام ١٨٦٠ من قريتـه الجنوبـية درب السـيم إلى بيروت، حيث فتح متجراً لتصليح الشماسي قرب الـ"تيـاترو الكبير". كانت الشمـاسي في ذاك الوقت باهظة الثمن وكان
مقتنوها مضطرين إلى تصليحـها ومن بينـهم الكهنة في مطرانية بيروت المارونية. وكان هؤلاء يقدمون له كتاباً أو أكـثر عوض النـقود، حتى شاع الخبر وبات يجذب إليه كهنة آخرين دأبوا على تقديم كتاب بدل تصليح الشمسية. ملأت الكتب متجره وقد استرعت انتباه المارة فصاروا يقصدونه لشرائها .
هكذا شطر متجره وصار جزءين، جزء لتصليح الشماسي وجزء آخر لبيع الكتب. في العام ١٨٦٣ تخلّى عن مهنته الأصلية وأسس "المكتبة العمومية" التي تعتبر أول مكتبة في بيروت. وهو لم يكتف بهذا، فتعلّم وبات يطبع وينشر الكتب. وبهذا بدأت قصّة "مجموعة صادر" التي تهتم منذ تأسيس المكتبة والمطبعة قبل ١٥٠ عاماً بـ"تسهيل وصول المعلومات القانونية إلى الناس"، وفق المحامي راني صادر الذي يمثل الجيل الخامس بعد ابراهيم الجدّ.
يؤكد صادر أنه لأجل الوصول إلى هذا الهدف، منذ كان أجداده يطبعون بتقنية الحرف الأولى، تحاول "صادر" استخدام مختلف الوسائل لإيصال المعلومات القانونية للعموم. يقول: "قمنا بطباعة ونشر وتوزيع وترجمة، وحتى تأليف، ما يتعلّق بميدان الحقوق والقوانين. وبتنا نملك أكبر بنك للمعلومات في المجال الحقوقي في العالم العربي".
حين ورث يوسف المطبعة عن أبيه وتولى شقيقه سليم إدارة المكتبة، طوّرها حتى باتت منبع العديد من الكتب وكثير من المجلات والصحف ومنها "الديار" و"لسان الأمة" و"نداء الوطن" و"المحبة" و"الفجر" و"الحرية" و"الشرق" و"البلاد" وغيرها. حتى دخل عالم الصحافة بنفسه وأسس "المجلة القضائية" وهي الأولى في المجال في لبنان والعالم العربي.
وفي عهده أيضاً وضعت "صادر" أول مجموعة قانونية في العام ١٩٢٤، ووضعت مجموعة مقررات الحكومة السورية.
وحين تولّى ابنه أديب إدارة "صادر" أسس مجلّة تربوية أطلق عليها اسم "الثقافة"، وهو أول من أدخل فكرة فروض العطلة الصيفية إلى لبنان. واستهل، في العام ١٩٥٠، طباعة "الجريدة الرسمية" ومحاضر جلسات النواب (استمرّت حتى العام ٢٠٠٢). وبعد ست سنوات من هذا التاريخ ابتكر فهارس سنوية لـ"الجريدة الرسمية" بالمواضيع لا تزال مرجعاً معتمداً من الحقوقيين. ويعود له الفضل في نشر مجموعات المراسيم الاشتراعية في العام ١٩٧٧، وهو الذي أسس لـ«نقابة اتحاد الناشرين".
في عهد ابنه جوزف حازت صادر جائزة لندن العالمية لنشرها كتاب "النبي" لجبران خليل جبران بطبعته الفاخـرة في العام ١٩٨٥. وقد وضعت مجموعة "قوانين لبـنان" بحلة جديدة تبرز هيكلية الجمهورية اللبنانية في العام ١٩٩٢، قبل أن يطلق صادر في المعلوماتية القانونية في العام ٢٠٠٢. وقد آلت تلك المسيرة باثنتي عشرة شركة إلى الجيل الخامس تشكّل جميعها "مجموعة صادر".
في العهد الجديد قامت "صادر"، وفق راني صادر، بجمع التشريعات القانونية اللبنانية وأبرز الاجتهادات الصادرة عن المحاكم اللبنانية والاتفاقيات الدولية ونظمتها وفهرستها وبوبتها وربطتها بنصوص القانون والاجتهادات القضائية ذات الصلة، وذلك من خلال مجموعات ورقية كما عبر برامج الكترونية جمعتها في ما يعرف بـ"بوابة قوانين لبنان" عبر الانترنت، وهي الأولى من نوعها.
قدّمت "صادر" مجموعاتها الخاصة بأهل القانون، لكنّها أيضاً صممت مجموعات خاصة لكل من القطاعات، ومنها المجموعة القانونية للأطباء والمهندسين وهي ستوقّع شراكة مع "نقابة المحاسبين". وقد أطلقت أمس، خلال مؤتمر صحافي، ولمناسبة يوبيلها المئة والخمسين، مبادرة لتجهيز وسائل الإعلام اللبنانية بمكتبة قانونية إلكترونية. وأطلقت "جائزة يوسف صادر" لأفضل تحقيق صحافي يعالج موضوعاً حول "دولة القانون".
يشير راني صادر إلى أن "تزويد الصحافيين بمجموعة القوانين والاجتهادات أمر يبلغ أهمية قصوى كونهـم مؤتمنين على نشر الحقيـقة والمعرفـة، فكـيف إذا كانت متعلّقة بحقوق الناس وواجباتها وبالقوانين التي تنظّم حيـاتهـم". ويلفت إلى أنه تمّ اختيار اسم يوسف صـادر للجائزة كونه خاض غمار النشر والصحافة، بالإضافة إلى كونه قاضياً ومُعدّاً مجموعة من القوانين.
إلى ذلك، باتت "صادر" تصدّر "الصناعة" القانونية إلى العالم العربي، ولها شراكات في كل من الأردن والكويت، لا سيما في الإمارات حيث وقّعت شراكة مع وزارات العدل والخارجية والمال وحكومة أبو ظبي، بينما تقدم الاستشارات القانونية لها منذ العام ١٩٩٩.
حياة منتجة
ورث يوسف صادر فن طباعة الكتب عن أبيه ابراهيم، حتى أنه عام ١٨٩٠، وهو في العشرين من عمره، أسس "المطبعة العلمية" التي تولت طباعة كتب ومجلات وصحف شهيرة في ذاك الزمن.
لكنّه لم يلتزم بذلك كمهنة بل تخصص في الحقوق في كلية الآباء اليسوعيين، ليعمل قاضياً مدّة أربع سنوات. وقد أسسّ "المجلة القضائية" التي كانت رائدة في المجال في لبنان والوطن العربي. وبعدها بسنتين، أي في العام ١٩٢٣، ابتكر مجموعة قوانين في اللغة الفرنسية بتكليف من المستشار الفرنسي في لبنان. بينما وضع مجموعة صادر القانونية في العام ١٩٢٤، فكانت الأولى عربياً، بالإضافة إلى وضعه مجموعة مقررات الحكومة السورية.
في العام ١٩٤١ ولمدة خمس سنوات نشر مجموعة الاجتهادات الخاصة بمحكمة الاستئناف المختلطة. وهو عمل على ترجمة القوانين التركية إلى العربية. ولأنه رائد في مجال الطباعة والنشر وفي مجالي الحقوق والصحافة نال وسامين من الدولة اللبنانية ووساماً من الحكومة السورية.
وكتب أمين الريحاني عنه: "استهلّ حياته المنتجة بفصل القضاء، وأتبعه بفصل الطباعة، ثم عززه بفصل الصحافة، ووشّحه بفصل النشر. كل واحد من هذه الفصول يستوجب فارساً أصيلاً وربّاناً حكيماً وإدارياً قديراً. وإذ بهذه الخصال تجتمع في شخص يوسف إبراهيم صادر ليخطّ تلك الفصول بيراع الجهاد المتواصل، وبقلم السعي الدؤوب، وبحبر طالع من العافية المثقفة كما من بين الحروف ودواليب المطابع".