بيروت - 01/01/2012
من الناس من يتفيؤون ظل الزمان، ومنهم من يرخي على الزمن ظلالا. تلك هي الحل مع يوسف ابراهيم صادر. فقد طبع عصره بهذه العلامة “الصادرية “ البارزة وصار له حق امتياز :
ولد يوسف صادر في ۳ تشرين الاول من العام ١٨۷٠. درس الحقوق في كلية الاباء اليسوعيين، ودرس في مدرسة الروم الكاثوليك، وعمل قاضيا لأربع سنوات ، فدانت له المحاكم بالنزاهة وبعد النظر. ونشط عضوا في مجلس إدارة مدينة بيروت لعشر سنوات، ورئس الجمعية الخيرية المارونية. وكان رب عائلة مثاليا إلى جانب زوجته ادال فارس الريحاني، التي اسس معها عائلة غرد في سربها كل من اديب وانيس وفقد و منى.
لم يقف طموحه عند حدوده، فثابر وكافح، وأنشأ المطبعة العلمية عام ١٨٩٠، وهو في مقتبل العمر، وبدأ بنشر مؤلفات امين الريحاني عام ١٩١٠. وباشر بإصدار الروزنامة منذ عام ١٩٢١ مع أخيه سليم ، واتبعها بالمفكرة ، ثم اسس مطابع صادر –ريحاني بمعية ألبرت ريحاني عم ١٩٤١.
عرف يوسف صادر كل شيء إلّا التواني وتبديد الوقت، وهو بالنسبة اليه نعمة من الله. فأحسن المتاجرة بوزناته. لم يترك مناسبة تمر إلا وكان له عبرها تأليف أو تأسيس. حاول الجمع بين حقلي الطباعة والحقوق ، وكان نتيجة المزاوجة بينهما مولود جديد هو المجلة القضائية التي أبصرت النور سنة ١٩٢١. وقد كانت اولى المجلات القانونية في الدول العربية. وباكورة النهضة القضائية فيها. فكان سباقا في ميدان الطباعة الحقوقية في دنيا العرب . وأغنى مكتبتها بما لم يكن لها عهد به من قبل .
كان رياديا في فكره. فرسم منذ ما يقرب التسعين عاما مسيرة "صادر" التي تواكب اليوم الإتجاه العالمي نحو مفاهيم الحاكمية الرشيدة ومبادئ حكم القانون. ووضع رسالتها الهادفة إلى نشر الثقافة القانونية. نشر في مجلته المقالات الحقوقية والأحكام القضائية، فعرف معها الفقهاء "أن القانون ليس محصورا في النصوص التشريعية وأن هنالك مصادر اخرى على الفقه والقضاء أن يستنبطا منها ماتعجز النصوص التشريعية عن توليده من النصوص القانونية ".
الاستاذ اميل لحود، وزير العدل ووزير التربية الوطنية الأسبق . كان من منصفيه حين قال، يوم تقليده وسام المعارف ووسام الاستحقاق اللبناني المذهب ووسام الاستحقاق السوري :" يوسف صادر عمل في سبيل الادب يوم كان العمل في سبيل الادب زرعا في ارض جدباء دونما امل بحصاد. وله على القضاء والمحامين ولمتقدين يد بيضاء لا سبيل لنكرانها، في عهد اختلط فيه حابل القوانين بنابلها، وتشابكت الأنظمة، وتعددت المقررات، حتى أنك ماكنت تستطيع العثور على قانون ولا الوقوف على ناس إلى إذا عدت إلى ثمرة جهود يوسف صادر ونتاج تدقيقه وتنقيبه وجميل اناته ".
فالثمانيني ماترجل عن جواده إلا حين شاءت العناية الالهية أن تستل من السراج اخر نقطة من الزيت. فعمل لدنياه كأنه عائش ابدا على ما قاله الإمام علي بن ابي طالب، وكتب اسمه في سجل الخالدين، أولئك الذين عندما يتناولهم الحديث، للسامع إلى أن يخشع امام بعيد أكفهم، ورفعت جبينهم، وغزارة انتاجهم، وطيب سيرتهم
ملأ ايامه والساعات بالعمل الدؤوب ، فكان المدون الساهر، والناقد الحاضر، لتصويب لا لتأنيب، فالثقافة همه، ومن أجلها رهن العمر. وكان في شباب روحي دائم، فلا عجب أن تكون نصيحته للشباب: " العمل، حب العمل، الثبات في العمل والمثابرة عليه، سبيل المحافظة على الشعب للتغلب على الشيخوخة"
أما في مجال الكلام على أبرز اهداف المجلة القضائية فيقول في مقدمتها:" نحن نعلم أن المستجد من الشرائع والأنظمة ينقل بعضه أو معظمه إلى الجرائد اليومية. ولكن لا يمكن حفظ هذه الجرائد والانتفاع من مراجعتها كلمّا دعت الحاجة، كما انها ليست اختصاصية بالموضوع وليست جامعة... أما مجلتنا فستكون، بحول الله، بما تبحث فيه وتدونه من القرارات والأوامر والتبليغات. مجموعة تحفظ وترجع في كل وقت، وليس لمحام أو قاض أو اديب او تاجر أن يستغني عن وجودها بين كتبه وأوراقه "
فيوسف صادر تسلّح بالقلم، وخط به الأحكام باحكام. مانفذت جعبته من وميض الكلمة، فدان له عصره بمعين ثقافة، والقانون بديمومة واستمرار، والفقه والاجتهاد بحفظ وانتقال. انه من الكبار الكبار، قدرنا الله على أن نكن اثر خطاه سائرين .
المجلة القضائية، العدد صفر ،صفحة٦٤